السيرة الذاتية

كيف يفكر المصريون؟

يونيو 17, 2020

      لعل مما يجدر التنويه إليه على سبيل التقديم إلى هذا المقال، أنه تحت مظلة علم الاجتماع قد عُقدت دراسات عدة –بصفة أساسية في الولايات المتحدة الأميركية- يهمنا منها أن نشير إلى مقال عالِم الاجتماع كارل مانهايم تحت عنوان “مشكلة الأجيال” عام 1927 حيث أسس “نظرية الأجيال”، والتي تُبنى على أن سرعة التطور والتغير الاجتماعي المحيط بالأفراد أدت إلى وجود فوارق بين كل جيلٍ وآخر، تطوَّرَ الأمر وأصبح مستقرًّا –مع اختلافات بسيطة في التواريخ- أن الأجيال -في الولايات المتحدة الأميركية بصفة أساسية- تُقسم ابتداءً من الحرب العالمية الثانية إلى الأجيال الآتية:

أبناء جيل الطفرة: مواليد من 1946 حتى 1964

الجيل إكس: مواليد من 1965 حتى 1979

جيل الألفية: مواليد 1980 حتى 1996

الجيل زد: مواليد 1997 حتى 2012

الجيل ألفا: مواليد 2013 حتى 2025.

     إن كل جيل من هؤلاء يتميز بمجموعة من الخصال المشتركة، والذي يهمنا في هذا الأمر أن نشير إليه هو جيل الألفية والجيل زد، باعتبارهما قادة اليوم والمستقبل القريب، محاولين التوصل إلى ما يكون بينهما من اختلافٍ ومن تجانس.

     لا شك أن الاختلافات الاجتماعية من دولةٍ إلى أخرى تقطع بوجود فوارقَ كبيرةٍ بين أبناء جيل نشأ في الولايات المتحدة وبين أبناء الجيل ذاته الذين نشأوا في مصر، إذ الحوادث مختلفات، والتطور المؤدي أساسًا إلى تقسيم الأجيال مختلفٌ في الولايات المتحدة عما هو عليه في مصر، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن نرى من بين أبناء الجيل زد من لازالوا متشبثين بفكر جيل الألفية والعكس صحيح، فالفوارق بينهما ليست جامدةً إنما مرنة تتحدد على أساس البيئة التي نشأ فيها الشخص وما ناله من تطور المجتمع حوله، وهو تطور وإن كان في جانب منه تطورًا جمعيًّا إذ يُخاطب المجتمع كله إلا أنه في جانب آخر تطور شخصي يختلف من شخص إلى آخر.

     بعد التعرض إلى تلك المقدمة البسيطة، تجدر الإشارة إلى أن النظر إلى حقبة الثمانينيات والتسعينيات التي ساهمت في بناء شخصية وفكر أبناء جيل الألفية هي الحقبة من تاريخ مصر الحديث التي شهدت بداية تحول الدولة –على المستوى الاقتصادي- من الفكر الاشتراكي إلى الفكر الرأس مالي، الأمر الذي ظهر جليًّا في بدايات الانفتاح الاقتصادي منذ عام 1975 وخاصة مع انضمام مصر إلى اتفاقية الجات عام 1995 وهي الحقبة التي نشأ في ظلها الجيل زد من أبناء وطننا، فجيل الألفية عايش “محاولات” الانفتاح الاقتصادي، بمعنى آخر يجدر القول أنه عايش أنصاف الفرص، تلك الوعود الرنانة التي تبعث في نفسٍ آمالًا في التحسن الفردي والجمعي، الأمر الذي أوعز إلى كثير من أبناء ذلك الجيل بثقافة الاغتراب، تقبل الاغتراب في سبيل بناءِ الذات وتكوينها، وهو الأمر الذي ترتب عليه حتما تقدير العائلة والمجتمع والوطن، والركون دومًا إلى مفهوم الاستقرار ولو على حساب تنازلاتٍ شخصيَّة، فنرى أبناء جيل الألفية قد تحلّوا بخصالٍ مشتركة أولها تقديس الأسرة، الابتكار في العمل، إجراء المحادثات غير الرسمية، وكذا المحاولات غير الرسمية في سبيل الوصول إلى ما يبتغونه، الانخراط في البذل والعطاء والاهتمام بالأعمال الخيرية، إذ تلك المرحلة من عمر الوطن كانت مرحلةً انتقالية بين الاشتراكية ورأس المالية الاقتصادية، غير أنه وبعكس أبناء جيل الألفية من المجتمع الأميركي لم يكن جيل الألفية المصري جيلًا منفتحًا على الثقافات الأخرى متقبلًا حضارات الغير، وذلك الأمر سببه أنه بينما ارتكز الصعود الأميركي على حصاد المعاناة الاوروبية بين الكنيسة والسلطة، فاتخذت الولايات المتحدة اتجاه الفصل التام بين الدين من ناحية والسلطة من ناحية أخرى، فإن “المجتمع المصري” في الفترة منذ 1971 وحتى 2013 كان مجتمعًا متغلغلة فيه ثقافة المزج بين الدين والسلطة، الأمر الذي كان يُرى جليًّا في حصول الأحزاب الدينية على تأييدٍ شعبي “مجتمعي” واسعٍ بلغ ذروته عام 2012، إن المسألة هنا ليست مسألة الدين في ذاته، إنما هي مسألة التوسُّل بالدين إلى بلوغ غايةٍ تنافيه وتتناقض مع مبادئه، وهو الأمر الذي أدى إلى وجود خطاب ديني ضعيفٍ مغلوطٍ في كثيرٍ من الأحيان، ينبذ الحضارات ولا يقبل الاختلاف، سرعان ما تهاوَى عندما انكشفت مآرب الأحزاب الدينية بعد توليها سُدَّة السلطة بالفعل، لكن الشاهد في ذلك الأمر أن أبناء جيل الألفية وهم أناسٌ لم يعايشوا في مراهقتهم التطور التكنولوجي الذي نشأ في ظله أبناء الجيل زد، قد نشأوا على ثقافةٍ أحاديةٍ تُعنى بالمجتمع الواحد، فتراهم حتى لو سافروا للعمل في الخارج يكون سفرهم هذا في سبيل العودة ثانيةً إلى الوطن، إن العالم لديهم محوَرُهُ واحد هو الأسرة – العائلة – جهة العمل التي يعملون فيها – العمل الخيري والعطاء المجتمعي – الوطن – عدم التقبل الكلّي للاختلاف.

     إن تلك الخصال جميعها مما يميز -أغلب- أبناء جيل الألفية، يكون الأكثر تشبثًا بها هم أولئك الذين وُلدوا في بدايات الحقبة الزمنية لهذا الجيل، والأكثر تراخيًا فيها هم أبناء نهايات تلك الحقبة الزمنية، مع فوارق تعتمد على الاختلافات الشخصية والقدر التعليمي وجودته والتنشئة الأسرية وترابطها.

     ذلك عن جيل الألفية، أما فيما يتعلق بالجيل زد، أبناء الحقبة الزمنية منذ 1997 وحتى 2012، فإنهم وإن كانوا يتجانسون مع أبناء جيل الألفية الذي يسبقهم إلا أنهم يختلفون عنه اختلافًا كثيرًا، فهم –في مصر- في فترة تكوين شخصيتهم وفكرهم قد عايشوا الانفتاح الاقتصادي بشكل أوسع بكثير، بل إن التكنولوجيا في حقبتهم قد تطورت تطورًا لم يسبق له مثيل من قبل، حتى أن البعض يمثّل لذلك بأن كل وليدٍ منهم قد وُلِدَ وفي يده هاتف ذكي، هم أولئك الذين اطلعوا على العالم وثقافاته في سن مبكرةٍ جدًّا، ساهم ذلك في تكوين ثقافة تقبل الآخر، بل إنه ساهم إلى حد أبعد من ذلك –لدى الكثير منهم- وهو تكوين ثقافة الانهزامية أمام المجتمع الغربي، إن المشكلة الأولى التي واجهت الجيل زد تجد أساسها في جيل الألفية ذاته والأجيال التي سبقته، إذ جيل الألفية –لا سيما الأشد تشبثًا منهم بأدبيات ذلك الجيل، وهم أبناء بداياته- وكذا الأجيال السابقة لم يستطيعوا مواكبة ذلك التطور التكنولوجي بالشكل المطلوب، بالشكل الذي يبسط لهم السيطرة على ما يكون بين يدي أبنائهم، فأصبح الجيل زد أكثر اعتمادًا على الذات، أكثر استقلالًا عن الأسرة، حتى أنهم يضطلعون بكثير من المهام الملقاة على عاتق جيل الألفية ذاته، فترى الولد يعلم والده كيف يباشر شؤون دنياه بل شؤون الأسرة ذاتها بما فيها من دفع فواتير الكهرباء، إن المسار الذي سارت عليه البشرية منذ العهد القريب بالحرب العالمية الثانية قد اختل في الحقبة التي وُلد فيها أبناء الجيل زد، إذ ما عادت الأسرة في شكلها المعروف مسبقًا، شكلها التقليدي حيث يعلّم الوالد ولده، إنما يتعلم الوالد من ولده، وأحيانًا كثيرةً لا يواكب التطور فيترك ما يضطلع به من مهام إلى ولده ابن الجيل زد.

إن الجيل زد لا يُلام في أيٍّ من ذلك، ما مشكلته هو إذ لم يواكب السابقون عليه التطور التكنولوجي؟

إن الجيل زد يتميز بخصائص غاية في الأهمية غاية في الاختلاف عن تلك الخصائص التي يتميز بها جيل الألفية، فهم يتميزون أولًا بعدم الاستغناء عن هواتفهم الذكية، إن عقلهم ليس يعرف ذلك الاستقرار المستقى من قراءة كتابٍ متصل الفكرة، إنه عقل سريع الالتفات إذ اعتاد -يوميًّا- قراءة العديد من المنشورات القصيرة مختلفة المضامين، مشاهدة الصور، اعتادت نفوسهم استثارة الشعور بالحزن أو الفرح أو غيرهما تأثرًا بمشهد رأوه عرضًا على الهاتف الذكي بينما هم في المدرسة، يُستثار الشعور لديهم بشكل متجدد يوميًّا، بينما كانت مشاعر جيل الألفية تُستثار واقعيًّا في مكانها وفي وقتها إذ يتعرض المرء منهم إلى موقف يستأهل إخراج تلك العاطفة، بينما ابن الجيل زد قد يبكي لرؤية منشور (مقروءًا أو مرئيًّا) ثم بعد دقائق معدودات يضحك لرؤيته منشورًا آخر، إن عقله اعتاد التشتت، وإن نفسه تعتاد الجمود إذ تستوي لديه –مع مرور الوقت- المواقف المؤثرة سواءً كانت واقعية أو افتراضية، إن ذلك يترتب عليه أن الذي يشد انتباه الجيل زد -غالبًا- هو ما يخرج عن المألوف، أما ما يكون تقليديًّا روتينيًّا فهو في الغالب منبوذ غير مرئيٍّ أساسًا بالنسبة إلى أغلبهم.

مما يتميز به الجيل زد كذلك هو تجانسه، إذ يتجانسون جميعًا إذ مرجعيتهم واحدة، شُكِّلت طريقة تفكيرهم بشكل واحد، مُنحوا جميعًا مُكنة الاطلاع ويُسرت لهم سبل التعرف إلى ثقافات الغير، فتراهم أكثر تقبلًا للاختلاف، أكثر استماعًا، أكثر حكمةً من أبناء جيل الألفية، إذ رأوا في وقت قصير جدًّا ما كوَّنَ لديهم خبراتٍ متعددة متشعبة..

إن الذي لم يكن من أبناء الجيل زد ضحية التطور التكنولوجي هو إنسانٌ عظيم ذا شأن رفيع.

كذلك مما يميز أبناء الجيل زد أنهم ينظرون إلى الوظيفة على أنها وسيلة وليست غاية، إن اطلاعهم الواسع قد أعطاهم الفرصة للاطلاع على ما يمكن للمرء أن يتمتع به في الحياة، إن هدفهم الأسمى دومًا هو الوصول إلى الرفاهية التي غُذِيت بها عقولهم، الوظيفة في ذلك هي وسيلة لجني المال المؤدي إلى الرفاهية، كثيرو التنقل، يسهل عليهم تقبل فكرة تغيير الوظيفة ما دامت تؤدي إلى الارتقاء في مدارج الدنيا، لو مُنحوا الاختيار بين وظيفة أحلامهم بدخل بسيط ووظيفةٍ أخرى بدخل خرافي ومزايا جذابة فإن أغلبهم يميل إلى الأخيرة، وهو اختلافٌ جوهري عن أبناء جيل الألفية إذ “يميلون” إلى الأولى ما دامت تكفي احتياجاتهم.

إنهم –والمقصود هنا هو أغلبهم- أناسٌ عمليون، واسعو الاطلاع، يقبلون الآخر، يقبلون التغيير، يتشتت انتباههم بسهولة، غير أنهم نشأوا في أسرٍ تختلف عن مفهوم الأسر التقليدية، لا يجدر القول أنهم نشأوا في أسرٍ مفككة، لكنهم نشأوا في أسر تختلف كثيرًا عن تلك الأسر التي نشأ فيها أبناء جيل الألفية، إذ المهام اختلفت والسيطرة انقلبت، ومن ثم فإنهم يفتقدون مفهوم التشبث بالأسرة “التقليدية”، وأخيرًا فإن الدين في حياتهم أمر من الأمور الشخصية، يختلف ارتباطهم به اختلاف شخص إلى آخر، إن أراد التعلم تعلم، وإن لم يرد لم يتعلم، هو ليس توجهًا جمعيًّا كما كان في سابق عهده.

      إن خلاصة الحديث أن بني الإنسان –زمانًا ومكانًا- مختلفون، وأن الحياة حولهم متسارعة، على المرء إذا هو أراد أن يسيرَ في حياته وفقًا لمبادئه التي اختارها لذاته، عليه أن يواكب التطور، ليظل مسيطرًا على شؤونه وشؤون رعيِّته، على الإنسان المصري أن يقبل التطور وأن يستفيد منه لا أن يتقوقع على ذاته رافضًا مجتمعه وتطوراته، إذ لو فعل ذلك لاستمر المجتمع في التطور من حوله، ولأصبح هو ضحيةً جَنَتْ عليه نفسُه.

مصادر:

https://marcuse.faculty.history.ucsb.edu/classes/201/articles/27MannheimGenerations.pdf

https://www.researchgate.net/figure/Generation-Classification-and-Typical-Behaviours-Associated-with-the-Generation_tbl1_327893786

https://genhq.com/the-generations-hub/generational-faqs/

https://caregiversofamerica.com/2022-generation-names-explained/

https://www.parents.com/parenting/better-parenting/style/generation-names-and-years-a-cheat-sheet-for-parents/

https://hbrarabic.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9/%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9/

https://hbrarabic.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9/%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%B2%D8%AF/

https://hbrarabic.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9/%d8%a3%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%81%d8%b1%d8%a9/

Posted in Design, Music, Uncategorized, WordPressTags:
أكتب تعليقا