“… عامةً، هذا الذي يسعى جاهدا للحفاظ على اتزانه، وهو أمر ندر أن يحاكيكم به، هذا الذي هو محل حديثنا مرت به ليلة شاقة عصيبة ليست محل حديثنا، غير أنه بعد أن شارفت على الانتهاء وجد نفسه ملقى يكنز من كنوز الأرض كلها سريرا أعاره إياه أحدٌ من طيّبي الناس، سرير يجاور أسرّة أخرى على أحدها يجلس رجل قضى منه الزمن وطره يعتدل ليرتدي جواربه ثم يقوم لينظر إلى مرآةٍ في الغرفة يعقد رابطة عنقه ويصدر أصواتا يبدو أنها لا تأبه بهذا الملقى على السرير ضحية الليلة القاسية، ذلك الملقى الذي يحتمل سمعه الأصوات المترامية في الأصداء، الذي يحتمل بصره الضوء المسلط على عينيه من شمس آثرت أن تترامى أشعتها صوبه تنقّيه من دنس ليلته، غير أنها أذهبت النوم عن جبهته، تلك التي تعقدت تلافي الأشعة أن تطأ عينيه، أما جيوبه الأنفية، ذات الحساسية، أخذت تتحامل الثرى المنقول في الجو لم تشتكِ ولم تضجر، غير أنها خرّت هامدة إذ بدأ القابع أمام المرآة في رش (برفان) غريب الشكل والرائحة، رشه بكميات مهولة ذكرته بسيارة الرش إذ تكافح الحشرات في القرى ولا تقضي عليها، أخذ الرجل في رش تلك الرائحة على كل ثنية من ثنايا هندامه وكأن أمرا قابعا وراء كل ثنية أريد به الزوال، كميات مهولة من رائحة غريبة أبدت شكوكا في عقل صاحبنا أنها ستستفز جيوبه الأنفية لا محالة لكن شفع لها أن عِظم الكمية يدل على رداءتها ومن ثم ستتطاير على الفور وتزول وذلك الكابوس المحدق بالجيوب لن يطول، وإذا طالها فلن يستمر، غير أن تلك النظرية انهارت على أعتاب أول رشحة خرجت من أنف صاحبنا خرجت تعلن الحرب لا على الرائحة بل عليه، توالت الرشحات حتى أيقظته من نومه لا هو بمسيطر عليها ولا هو بالمسيطر على جسده توالت عليه حتى سقط عن السرير المعار يكافح بيديه أنفه يمسكها لعلها تهدأ وبيد أخرى يتحسس مناديل ورقية جواره غير أنه لا يجدها تتوالى الرشحات عليه لا يجدي معها يد تمسك ولا عقل يعزز بكل ما أوتي من أفكار ولا جسد يصارع ليقوم فيخرج من الهالة الموبوءة إذ لا يعرف لها حدودا، صارع حتى وقف والحرب قد شنت عليه لم تنته،
قام من مكانه وإذا بالرجل أمامه لم ينته بعد من الرش، لم يجد قولا يسعف ولا لسانا يقوى على إيراد ما جال بخاطره حينها، قام إليه ونظر إليه بعينيه اللتَين لا تقويان على النظر وجرى إلى دواءٍ يعلمه يحارب حساسيته يلجأ له في مثل تلك أوقات، ابتلعه ثم أدلف ليس يدري إلى أين إنما إلى مكان لا يوجد فيه بشر”.